الأربعاء 27 نوفمبر 2024

منال سالم

انت في الصفحة 14 من 82 صفحات

موقع أيام نيوز


بمهاجمتها وردت بصوت مخټنق
طيب 
تصنعت الضحك رغم الحزن الذي يعبئ صدرها وراحت ترفع من صوتها بالتدريج لتغطي على ألمها المعنوي قاصدة أن تلفت انتباه والدة زوجها بالتحديد لتشعرها بأنها لم تحقق غرضها بمضايقتها معتقدة بذلك أنها نالت انتقامها من فظاظتها غير المقبولة!
فاقت كامل توقعاته حين اعتقد أنها مجرد امرأة عادية لا تفرق عن غيرها في شيء بل على العكس أغريت سريعا ببريق امتلاك المال ووهج تأثيره الخطېر على النفس لكن اليوم تفاجأ بها كواحدة أخرى لأول مرة يعرفها فخلال فاعليات المؤتمر راحت تناقش برزانة وثقة ما يتم تداوله بإسهاب لتصبح محط الأنظار من الجميع حتى أنها دفعت المحاضر الرئيسي لتقديم شكر خاص لها كتعبير عن تقديره الشخصي لحماسها المتقد استدارت تهاني ناظرة إلى مهاب بقدر من الغرور فبادلها نظرة إعجاب صريحة قبل أن يخبرها مبتسما

إنتي الصراحة أبهرتيني بذكائك 
اكتفت بالابتسام في زهو فأشار لها بيده لتسير معه خارج القاعة وهو يستأنف حديثه إليها
خسارة إن واحدة زيك مش متقدرة في بلدنا 
زفرت الهواء سريعا لترد بعدها على مضض متذكرة كيف كان يحط من شأنها في أغلب الأوقات إرضاء لأشخاص بعينهم
عشان كده كان نفسي أسافر وأثبت نفسي في مكان يستحقني 
متقلقيش كل أحلامك معايا هتتحقق 
وهو يكمل بهمس خطېر
أنا موجود عشانك 
تجاوزه معها بعد تناوله هذا القدر من الخمر يزيد من تلبكها وخۏفها في آن واحد لن تنكر أنها تنجذب إليه وتستأنس بأحاديثه وخبراته العريضة في المجال الطبي لكنها في نفس الوقت تخشى تهوره في لحظة طيش غابرة وهذا ما لا تحبذه فقد يدفعه
غياب وعيه تحت تأثير المواد المسكرة لحصر تفكيره في شيء بعينه قد يودي بها للهلاك الحتمي لذا لا إراديا انطلقت شارات الإنذار في عقلها لتحثها على الانتباه وتوخي كامل الحذر معه حاولت أن تنسل من ضمته غير الكاملة تاركة بينهما مسافة معينة فسألها وهو يقترب مجددا منها
مش جعانة
ردت بتردد وهي تضم أصابع يدها معا مكونة قبضة صغيرة كأنما تحاول بها إخفاء توترها
يعني شوية 
استخدم ذراعه ليشير نحو المخرج الجانبي وهو يخاطبها
طب تعالي 
تعقد جبينها للحظة حين تساءلت مستغربة
هو احنا مش رايحين مطعم الفندق ده
قال نافيا وابتسامة عذبة تشكلت على فاهه
لأ في مكان تاني هوديكي عنده 
سارت معه إلى الخارج فلفحها الهواء البارد بقسۏة أسرعت بضم ياقتي معطفها معا لتدفئ عنقها وتحركت على الرصيف المرصوف بالحجارة نحو جراج السيارات لاستقلال تلك التي جاءا فيها لكنها تعثرت في مشيتها وكادت تنكفئ على وجهها عندما علق كعب حذائها فجأة في 
استدار مهاب كليا تجاهها وسألها في توجس وهو يمد يده لإسنادها
إنتي كويسة
اعتدلت في وقفتها وخفضت ذراعها ثم ردت وهي تحاول تحرير كعب حذائها العالق دون أن تنحني
أيوه 
انقلبت تعبيراتها للضيق الحرج حينما رأت ما حل بحذائها انحنت لتلتقط الجزء المفصول والعالق بالفجوة الصغيرة لتقول في خجل
ده الكعب اتكسر أنا أسفة جدا 
اندهش من اعتذارها الغريب معقبا
الموضوع مش مستاهل عادي بتحصل 
طأطأت رأسها في حرج متزايد وقالت وهي تنزع الحذاء عن قدمها
أنا مكسوفة من حضرتك جدا 
اضطرت تهاني أن تثني ساقها بعدما لسعت البرودة القارصة باطن قدمها وأضافت وهي تشير ناحية مدخل الفندق
أنا هرجع الفندق تاني وأحاول أشوف حل للمشكلة دي حضرتك تقدر تروح المطعم اللي إنت عاوزه متعطلش نفسك عشاني 
اعترض عليها بصوت وملامح هادئة
إنتي هتفضلي معايا دي مشكلة بسيطة وحلها موجود 
ظلت على نظرتها المتحيرة فوجدته يدنو منها قبل أن ينحني ليحملها بين ذراعيه في خفة لتشهق مصډومة من تصرفه المفاجئ لها سرعان ما تدفقت الډماء الحارة في شرايينها لتغزو وجهها مؤكدة على شعورها بالحرج والذهول في التو استنكرت ما فعلته وحاولت حثه على إفلاتها
مايصحش يا د مهاب الناس تقول علينا إيه!!
أخبرها بجرأة صاډمة
لها وبما جعل قلبها يقصف كذلك
حتى محدش ليه الحق يعترض!
هتفت محتجة بارتباك عظيم وقد استندت بكفيها على صدره
لأ أرجوك 
منحها هذه الابتسامة الماكرة وهو يخاطبها
متقلقيش مش هعمل حاجة ڠصب عنك إنتي غير أي واحدة 
لاذت بالصمت وتجنبت النظر إلى عينيه نهائيا وهو يسير حاملا إياها تجاه السيارة لكنها لن تنكر أنها استمتعت رغم توترها بهذا الشعور الجارف لكل ما هو عقلاني!
بابتسامة صغيرة وملامح وديعة وقفت على عتبة الحمام تنتظر انتهائه من غسل يديه لتعطيه المنشفة القطنية النظيفة ليجففهما بها بعدما تناول الطعام في بيتها تلبية لدعوة أمها حينما انقضى عقد القران سحبها بدري من يدها بخشونة ونشف كفيه ليعيدها إليها دون أن ينبس بكلمة شكر حتى ثم تجاوزها في عبوس باعث على الاسترابة ليعود إلى الصالة لحقت به فردوس والحيرة تسبقها ازدردت ريقها وجلست إلى جواره واضعة أمامه كوب الشاي الساخن اعتدلت في جلستها متسائلة بتوجس قلق وهي تناظره من موضعها
أجابها بصيغة تساؤلية مليئة بالاتهام
عجبك المرقعة اللي إنتي كنتي فيها دي
بهتت تعابيرها خوفا من غضبته الظاهرة وراحت تعتصر ذهنها لتتذكر كيف ومتى أحرجته وتسببت في مضايقته حينما عجزت سألته بصوت شبه مرتعش
مرقعة إيه لا سمح الله
أجابها بنفس الصوت اللائم وشبه المنفعل رغم خفوته
الضحك والكركرة اللي كانوا في الشارع قصاد الناس خلاص فشتك عايمة على الآخر!
تذكرت ما اقترحته عليها خالتها لرد الصاع صاعين لحماتها اللئيمة حين أفسدت عليها فرحتها وكيف انتهى بها المطاف الآن في وضع الاتهام لا التودد والتدليل حاولت التبرير له فأفهمته بتلعثم
دي خالتي كانت قالتلي إن آ 
لم يمهلها الفرصة للتوضيح وقاطعها بصوت حاسم وملامح صارمة
بصي يا بنت الناس لا خالتي قالت ولا خالتك عادت أنا مش جاي أتجوز عشان أجيب لنفسي ۏجع الدماغ 
انقبض قلبها توجسا وأحست بطعم المرارة يملأ حلقها فتابع
على نفس النهج القاسې
أنا عاوز اللي تريحني مش ناقص هم وقرف 
في التو أبدت ندمها قائلة دون تفكير
حقك عليا 
سكت ولم يقل شيئا فاستأنفت بحذر وهي تقاوم زحف الدموع إلى مقلتيها
بس إنت برضوه زعلتني لما سبتني وروحت مع أمك وكأني مش مراتك!!
هتف في صوت محموم
هو احنا لحقنا!!
برقت عيناها ارتياعا وراح الفزع يتولاها من كل جانب كأن هناك هجوما ضاريا على أعصابها دفعة واحدة عندما صاح في عتاب حانق
ما إنتي شوفتي بنفسك إنها مش قادرة تقف عاوزاني أعمل إيه وهي ست كبيرة أقف اتفرج عليها لحد ما تقع من طولها
انحشر صوتها وهي ترد بنبرة مهتزة
لأ بس آ 
مرة ثانية قاطعها رافعا يده أمام وجهها ليهددها
من غير بسبسة اللي حصل حصل خلاص من هنا ورايح تاخدي بالك من تصرفاتك سامعة وإلا هتلاقي الرد مايعجبكيش!!
تحول نظرها عنه وراحت تلوم نفسها بشدة لأنها انساقت وراء خالتها ولم تضع في الحسبان أنها بذلك تحزن زوجها ودت لو عاد بها الزمن للوراء واكتفت بالسير صامتة لربما آنئذ نالت رضائه وكلمة حنونة منه!
كانت تشعر بنوع من الغنج والدلال وهي تنتقي بين ماركات الأحذية ما يناسب مقاس قدميها بدت وكأنها في عالم من سحر الموضة المشوق لحظات لا تعوض عاشت كل ثانية فيها بنشوة عارمة دارت حول نفسها وهي لا تصدق حقا أنها ترتاد أحد أهم متاجر بيع الأحذية بعد حين من التجارب وجدت واحدة ملائمة لها رغم تحيرها في حسم اختياراتها فكل ما وقعت عليه عينيها كان رائعا للغاية تجولت في تبختر أمام ناظري مهاب وهو جالس على الأريكة ثم رفعت قدمها قليلا عن الأرضية لتبرز شكل الحذاء في قدمها وهي تهتف بابتسامة لهفى
تحفة أوي ومريحة جدا 
قال وهو يبادلها الابتسام الهادئ
المهم إنها عجبتك 
بعدئذ أشار للعاملة في المتجر لتأتي له بالفاتورة فاستجابت له في التو انتظرت تهاني ذهابها وتقدمت ناحيته ثم جلست على حافة الأريكة الوثيرة وراحت تتحسس ملمس الجلد الثمين بيدها لترفع نظرها إليه مضيفة بقليل من الحرج
بصراحة دي أول مرة ألبس حاجة زي كده في حياتي 
للحظة تحسرت على حياتها البائسة التي جعلتها محرومة تقريبا من رفاهية الدنيا ومتعها المغرية قامت واقفة وتابعت وهي تتطلع إليه بتعبير واجم لتقنعه بأنها غير راضية عن هذا الموقف المخجل بتاتا
بس أكيد غالية وصعب إني آ 
قاطعها قبل أن تتم جملتها قائلا وقد فهم ما ترمي إليه
ماتغلاش عليكي 
حفظا لماء الوجه حاولت أن تقول بعزة نفس
أنا هرد لحضرتك تمنها 
نهض قائما ودنا منها مرددا في عتاب رقيق
عيب الكلام ده يا دكتورة دي هدية بسيطة مني ليكي وهي مش من مقامك أصلا 
أصرت على رأيها هاتفة 
بس كده كتير وآ 
وإيه يعني دي مش هتكون آخر مرة أهاديكي بحاجة 
لاحظت تحول نظراته عنها وأتبعها ذلك قوله المريب
لحظة واحدة!
تحرك مبتعدا عنها نحو موضع ما خلفها فالتفتت تتابعه بتحير وجدته يسحب واحدا من الإيشاربات المزركشة من على حامل معدني بعد تدقيق سريع استدار عائدا إليها ثم فرده في الهواء  ثم طوقها به فاقشعر بدنها من الملمس الناعم للقماش على جلدها أحست كذلك بأصابعه وهي تداعبها خلسة شدها منه ليجذبها ناحيته ويقربها إليه انساقت كالمغيبة تجاهه حتى اضطرت أن تريح مرفقيها على صدره مستشعرة نبض قلبه أسفل يديها 
ده كمان هيبقى شكله تحفة عليكي 
إنتي جميلة أوي 
وهي تخاطبه في لهجة اتخذت شكلا رسميا رغم خفوتها
د مهاب! من فضلك!
هو المطعم
قريب من هنا
دس يده في جيب بنطاله وأجاب
أيوه 
أبقت على ابتسامتها الرقيقة وهي تسأله
طب مش هنروح ولا إيه
أشار لها بيده الأخرى الطليقة لتخرج قائلا
اتفضلي 
هزت رأسها مرددة بإيجاز دون أن تخبت بسمتها
شكرا 
ما زالت لمعة الانبهار تحتل نظراتها كلما زارت مكانا جديدا أو استمتعت بشيء لم تجربه سابقا تذوقت تهاني أشهى أنواع الطعام واستطابت ما تناولته من وجبة مميزة بهذا المطعم الراقي لم تشعر بالوقت يمضي وهي بصحبة مضيفها بل إنها استأنست كثيرا بوجوده وشعرت بتناغم غير طبيعي معه ورغم تحفظها الواضح على معاقرته للشراب إلا أنها لم تظهر اعتراضا متحيزا ضده على الأقل ريثما تتوطد علاقتهما بشكل أقوى أو أن تتخذ طابعا رسميا وإلا لضاعت جهودها سدى 
أمام ردهة باب غرفتها بالفندق وقفت تصافحه وهي تبدي عرفانها بما قدمه لها طوال اليوم 
ميرسي على اليوم الظريف ده أنا مكونتش متخيلة إني هستمتع كده 
بلطافة موحية ما زال باقيا عليها قال وهو يحتضن كفها براحتيه
ده بس لأنك موجودة معايا 
حاولت استعادة يدها وسحبها من بين قبضتيه لكنه رفض تركها وتابع بتنهيدة ثقيلة مغلفة برغبة متأججة
ونفسي تفضلي كده 
تقدم منها فتراجعت بشكل تلقائي للخلف إلى أن حاصرها بين جسده والباب الخشبي فاضطربت وتلبكت وتوترت للغاية من محاولته المكشوفة للتودد إليها بشكل حميمي قاومته قدر استطاعتها وهتفت
 

13  14  15 

انت في الصفحة 14 من 82 صفحات