الأربعاء 27 نوفمبر 2024

منال سالم

انت في الصفحة 17 من 82 صفحات

موقع أيام نيوز


لو استمرت فاعليات هذا المؤتمر لأيام أكثر ورغم الأسلوب الجاد الذي بات عليه مهاب في التعامل إلا أنها لم تمانع البقاء بقربه لكن لكل شيء نهاية أوصلها إلى مسكنها وودعها بابتسامة صغيرة فتركته وصعدت وهي منهكة من كم المجهود الذي بذلته طوال الساعات الماضية  
كالعلقة التي تلتصق بظهر
فريستها لتمتص منها الډماء بشراهة لاحقتها ابتهال بإلحاح مغيظ منذ اللحظة التي ولجت بها إلى الداخل أخذت تفحصها من رأسها لأخمص قدميها بتدقيق عجيب لتتأمل هذا التغيير الملحوظ الذي صارت عليه سألتها بسماجة وهي تمسح بيدها على ثوبها البنفسجي الجديد والذي كانت ترتديه حين استقلت الطائرة مع مهاب عائدة إلى هنا

إيش إيش إيه الحاجات الحلوة دي 
تجاهلتها كالعادة وتركتها تثرثر فسمعتها تقول من خلفها وهي تضع حقيبتها أرضا بجوار فراشها
ده احنا اتغيرنا ولبسنا اللي على الحبل وزيادة 
حينئذ صاحت بها بصبر نافد على الأخير وبنبرة محتدة
ابتهال أنا راجعة من السفر تعبانة ممكن تسبيني أرتاح
لم تعبأ بصړاخها ولا بضيقها الظاهر بل أصرت على البقاء لصيقة بها فأخبرتها بلزاجة لا تطاق
ده أنا هطق من الأعدة لوحدي ليل نهار وربنا ده إنتي كنتي واخدة بحسي 
فما كان من تهاني إلا أن فقدت هدوئها واندفعت تجاهها في عصبية لتقوم بدفعها دفعا إلى خارج الغرفة وهي تهتف بحمئة
أنا مش ناقصة صداع 
ما إن أخرجتها حتى صفقت الباب في وجهها ووصدته بالمفتاح لتضمن عدم اقتحامها للغرفة مجددا ومع ذلك سمعتها تصيح من الخارج ببرود مستثير للأعصاب
براحتك أنا هعذرك بس عشانك تعبانة ولسه راجعة بس اعملي حسابك مش هسيبك إلا لما أعرف كل حاجة بتفاصيل التفاصيل 
نفخت تهاني في سأم شديد ورددت وهي تسير عائدة إلى فراشها
هو في كده بني آدمة رهيبة!!!!
كان إرهاق السفر متمكنا من بدنها فلم تستغرق وقتا في الانخراط في سبات عميق تسلل فيها شخصه إلى أحلامها الطامعة بحياة هانئة مليئة بالراحة والثراء الثراء الفاحش!
أطلقت تنهيدة ارتياح كبيرة عندما نجحت في الإفلات من قبضة هذه السقيمة المتطفلة قبل أن تعترض طريقها نهارا وتحاصرها بأسئلتها التحقيقية المزعجة انطلقت إلى المشفى بسيارة أرسلها إليها مهاب لتقلها رافضة حضور أي من محاضرات اليوم دون أن تلقاه أولا وكأن رؤيته قد باتت إدمانا لها 
بلغت سعادتها عنان السماء عندما وجدته في انتظارها بمكتبها ألقت عليه التحية وأبدت سعادة غير عادية لمقابلته لكنه تعامل معها بجمود غريب واستطرد متحدثا بشيء من الجدية الباعثة على القلق والريبة
أنا مش هطول كتير 
سألته بتوجس وقد اختفت النضارة من على بشرتها
خير في حاجة
أبقى عينيه عليها ثابتة وهو يجيبها بهدوء
أنا كنت جاي أبلغك إني هرجع مصر كام يوم 
انقبض صدرها وتوتر قلبها فسألته باضطراب متصاعد
ليه في حاجة حصلت
صمت للحظة ونكس رأسه في حزن قبل أن يجاوبها
والدي تعبان شوية ولازم أسافر أطمن عليه بنفسي 
في التو قالت كنوع من الدعم المعنوي له
ألف سلامة إن شاءالله ماتكونش حاجة خطېرة 
عقب بغموض مقتضب
هيبان 
حاولت استطالة الحديث معه بعدما رأت كيف استبد به الهم
متقلقش يا دكتور مهاب ومن فضلك طمني أول بأول 
هز رأسه بإيماءة صغيرة وأردف مودعا إياها دون قول المزيد
أكيد أشوفك على خير 
أحست بغصة مريرة تعلق في حلقها فراحت تردد بصعوبة وهذا الشعور الخانق يزداد ضغطا على صدرها
مع السلامة 
انقلبت سحنتها وتعكر مزاجها لرحيله وكأن قناع الثبات التي كانت تختفي خلفه قد سقط عن وجهها شعرت مع ذهابه بفراغ كبير يحتلها بوجود شيء موحش يجثم على روحها حتى أنها استنكرت ما أصابها لمجرد التفكير في تأثير غيابه عليها لم تقو ساقاها على حملها فارتعشت وهي تسير عائدة إلى مكتبها لترتمي على المقعد وهي شاحبة الملامح متسائلة في صوت يعبر عن تكدرها
أنا إيه اللي حسا بيه ده!! 
بذلت جهدا كبيرا لتركز في استذكار ما فاتها من محاضرات ومع هذا عجزت عن قراءة سطر واحد من الورقة المطروحة أمام عينيها
لساعات كان بالها مشغولا تفكيرها مشوشا فاكتفت بالنظر إلى ما لا تراه بين السطور لتختبئ خلف ستار الصمت والهدوء الزائفين لعل وعسى عقلها يكف عن السؤال عنه فقد مر ما يقرب من أسبوع وهو غائب عنها لا تعرف عنه أي شيء حاولت التوصل إلى أي معلومة تفيدها بشأن مرض والده لكنها لم تصل لشيء كل الطرق مسدودة 
رفعت رأسها فجأة وحولتها تجاه الباب عندما تكلم أحدهم بلهجة مرحة مٹيرة للانتباه
أنا أكيد حظي حلو عشان ألاقي هنا 
استغربت تهاني لقدوم ممدوح إلى هنا ونهضت قائمة لترحب به بودية متكلفة
اتفضل يا دكتور 
لم يكن بحاجة إلى أي دعوة ليجلس فقد تقدم من تلقاء نفسه تجاه مكتبها واستقر على المقعد الشاغر أمامها نظر إليها ملء عينيه متسائلا في اهتمام وابتسام
إيه الأخبار معاكي وراكي شغل ولا حاجة
أجابت نافية
لأ كنت بذاكر شوية اللي فاتني 
هز رأسه في تفهم ليتابع بنظرات قوية مدققة مسلطة عليها
مالك يا دكتورة حاسك زعلانة من حاجة 
وقبل أن تفكر في الإحجام عن الرد استأذنها بلباقة ترفع عنه الحرج
تسمحيلي أعرف ده لو مكانش يضايقك أو فيه تدخل مني!
كانت بحاجة للتنفيس عما يجيش في صدرها من كبت وضيق فتكلمت على مهل كما لو كانت تستخلص الكلمات بصعوبة لتعبر عن حالها
لأ بالعكس 
سكتت لهنيهة في تردد قلق سرعان ما تغلبت عليه لتستأنف حديثها إليه وكأنها تحاول الاستئناس بالتحاور معه
أنا أصلي قلقانة شوية على والد دكتور مهاب كان قالي إنه تعبان وهو سافر يطمن عليه 
راقبها ممدوح بلا تعقيب لكن نظراته تبدلت لشيء آخر غامض بينما اندفعت زفرة طويلة من جوفها وهي تكمل
ولحد دلوقتي مش عارفة حاجة عنه 
مرة ثانية سألته وهي ترى ذلك التعبير المبهم الذي استحوذ على كامل ملامحه
هو كلمك
اختصر جوابه قائلا
لسه 
انتابتها الهواجس فاضطربت قسماتها وتوترت نظراتها لذا أخبرها مشيرا بيده ليثبط من المشاعر السلبية التي استحوذت عليها
اطمني لو كان في خبر وحش كنا عرفناه الحاجات دي مابتستخباش 
أراحها رأيه قليلا فحركت رأسها بهزة خفيفة وهي تغمغم
ربنا يعديها على خير 
أغلقت دفتر الأوراق المفتوح أمامها ونهضت قائلة في إحباط يمتزج بالحزن
أنا مش قادرة أركز أكتر من كده 
قام بدوره وخاطبها بتفهم
مافيش داعي ترهقي نفسك 
دست ما لديها في حقيبتها المتسعة تأهبا لانصرافها لكنه اعترض طريقها مقترحا بحماس
تعرفي إنتي محتاجة تغيري جو تشوفي حاجة جديدة تجدد نشاطك 
كانت فاقدة للشغف فعلقت حقيبتها على كتفها وتمتمت بغير اهتمام
ماليش مزاج أعمل حاجة 
ألح عليها بتصميم جاعلا الرفض مسألة غير قابلة للتفاوض
سبيلي نفسك وأنا هخليكي في حالة تانية خالص ومش هاقبل بأعذار نهائي 
تحرجت من رفض دعوته وقالت
مش هاينفع أنا آ 
قاطعها بإصرار أكبر
كده هزعل أرجوكي يا دكتورة أنا غرضي أسعدك 
للحظة فكرت في كلامه فقد احتاجت للهروب من دوامة القلق التي تعتصرها أبدت موافقتها قائلة وهي توسم شفتيها ببسمة رقيقة
طيب 
تظاهر بالسعادة العارمة لقبولها لكن في دواخله غير المرئية لها كان ېحترق كمدا فقد أصبح مدركا أن المنافسة بينهما بدأت لتوها وخصمه راح يشرع في تنفيذ مخطط استدراج ضحيته الجديدة لشباكه باللجوء لنفس الحيل القديمة المستهلكة الاختفاء المريب والغياب الطويل وتعذيب الوجدان بإحساسي الفراق والهجر المرير لتصير بعدئذ لقمة يسيرة سهلة المضغ فترفع رايات الاستسلام دون أدنى مقاومة بعدما استنزفتها مشاعرها المرهفة قال بتحد متحفز لنفسه وفي عينيه تصدح هذه النظرة الماكرة
هنشوف هترسى في الآخر على مين !!!
يتبع الفصل الثامن
الفصل الثامن الجزء الأول
اللعبة الحقېرة
صحراء من الصمت المرير عاشت فيها بغيابه المفاجئ عنها حاولت التغلب على ما يعتريها عقلها ولو لبرهة من التفكير في شأنه ظنت تهاني أن رفيق جولتها سيصحبها إلى أحد المطاعم الجديدة لكونه خبير في هذا الشأن لكنه وعلى غير توقع إلى البلدة المجاورة ليصل كلاهما إليها بعد ساعتين من القيادة المتواصلة والمصحوبة بحديث أحادي الجانب عن مواضيع شتى كانت في غالبيتها تنصت فقط إليه صف السيارة خارج الميناء التابع لهذه البلدة وسألته بحاجبين معقودين
هو احنا بنعمل إيه هنا
أخبرها بغموض ووجهه تداعبه ابتسامة شقية
هتعرفي دلوقتي اتفضلي 
ثم أشار لها بيده لتتحرك فتبعته صامتة إلى أن وجدته يقوم بالحديث مع أحدهم من أجل استئجار أحد تلك اليخوت الصغيرة لتستقلها في جولة بحرية أسعدتها المفاجأة السارة وصعدت 
أنا عمري ما ركبت مركب في حياتي دي أول مرة وفي يخت بجد كتير عليا 
صحح لها ممدوح ما فاهت به بطريقة ماكرة ومراوغة لاستدراجها إلى طرفه في هذه المنافسة القائمة
ليه متقوليش إنه حظي الحلو خلاني أشاركك التجربة الجميلة دي 
أحست بشيء من الحرج وردت وهي تشيح بوجهها لتحدق في صفحة المياه المتموجة بهدوء
شكرا يا دكتور ممدوح كلك ذوق 
شعرت به يتحرك مبتعدا ليغيب عن أنظارها فسحبت شهيقا عميقا ملأت بهوائه النقي رئتيها المعبأتين بالهم ظلت مستغرقة في تحديقها الهائم إلى أن عاد مجددا وفي يده كأسا مملوءة 
اتفضلي 
تحفزت في جلستها وسألته بتردد دون أن تمد يدها لتأخذه
إيه ده
معلش أنا مش بشرب 
ضحك في لطافة وتكلم من بين ضحكاته الصغيرة مدهوشا
ده عصير فواكه كوكتيل إنتي فكرتيه حاجة تانية
زاد شعورها بالخجل وردت معللة وهي ترمش بعينيها بعدما أخذت الكأس منه
أسفة أصل افتكرت دكتور مهاب لما عزم عليا بشمبانيا 
في التو أخبرته بلا تفكير
رفضت طبعا 
جلس مجاورا لها وأردف في إيجاز
كويس 
أحست من طريقته المقتضبة أنه ما زال يريد إضافة المزيد وصدق حدسها عندما استأنف مسترسلا بغموض محير
أصله متعود يعمل دايما كده مع اللي يعرفهم 
وخصوصا الچنس الناعم ما هو معجباته كتير بقى 
شعرت بدمائها تحنقن بقدر من الغليل يسري في عروقها ويحتل كل ذرة في كيانها ليجعلها على أهبة الاستعداد للانتفاض والثورة ضد ما تسمعه تضاعف ذلك الشعور الحانق بقوله المستفيض
وهو الصراحة مايتسابش ألف مين تتمنى ترتبط بواحد زيه مركز وسلطة ومال وعيلة 
امتلأ جوفها بذاك المذاق المرير فقربت الكأس من فمها لترتشف منه القليل لكنه كان كالعلقم السقيم وممدوح لا يزال يخبرها بما زعزع أمنياتها
بس هو مش بتاع جواز أخره يقضي يومين حلوين مع بنت جميلة شوية ويزهق ويرجع يدور على غيرها ومش فارق معاه إن كانت مشاعرها هتتأذى ولا لأ 
خفضت الكأس ويدها ترتعش حاولت النظر إلى الأفق الأزرق الممتد على مرمى بصرها وصوته يتخلل إلى أذنها ليخبرها بما أجج بداخلها مشاعر الضيق والحنق والغيظ
أحست بتورية خفية في ختام جملته ربما كانت هي المقصودة بهذا فالتفتت تنظر إليه وهي تحتج على مقصده بانفعال ملحوظ
وأنا مالي هو حر في تصرفاته أنا مش هحاسبه 
ازدادت أصابعها إطباقا على الكأس وهي تواصل الحديث بعصبية
 

16  17  18 

انت في الصفحة 17 من 82 صفحات